الدعوى 40 لسنة 13 - دستورية - المحكمة الدستورية العليا - مرفوعة علنية رقم 40 لسنة 13 بتاريخ 06/02/1993

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

باسم الشعب

 

المحكمة الدستورية العليا

 

بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 6 فبراير سنة 1993 الموافق 14 شعبان سنة 1413 هــ .

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة

وحضور السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامى فرج يوسف و محمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور أعضاء

وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب المفوض

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد أمين السر

 

أصدرت الحكم الآتى

 

فى القضية المقيده بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 40 لسنة 13 قضائية دستورية

المقامة من

شركة كامينا برود تكس كوربورشن

ضد

1 - السيد / رئيس الوزراء

2 - السيد / وزير المالية

الإجراءات

بتاريخ 7 مايو سنة 1991 أودع وكيل الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية ما قررته المادتان 44 ، 45 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 من إخضاعها لنظام الخصم والإضافة المنصوص عليه فيهما، وكذلك عدم انطباق التنظيم الخاص بالخصم والإضافة على شركات الأشخاص . مع ما يترتب على ذلك من آثار.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.

وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .

حيث إن الوقائع-على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن الشركة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 1524 لسنة 1985 مدنى كلى جنوب القاهرة طالبة الحكم بعدم أحقية مصلحة الضرائب فى إخضاع الشركة لنظام الخصم والإضافة المنصوص عليه فى المادتين 44 ، 45 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، وذلك استناداً إلى أن الشركة المدعية من شركات الأشخاص المنشأة وفقا لأحكام القانون رقم 43 لسنة 1974 بإصدار نظام استثمار المال العربى والأجنبى ، ولم يصدر بإنشائها قانون خاص ، وإنه إذ تبين أن مصلحة الضرائب تفسر أحكام هاتين المادتين تفسيراً واسعاً متناسية أن الجهات الخاضعة لأحكامه ما محددة حصراً ، وليس من بينها الشركة المدعية ، وكان الدستور قد اختص المحكمة الدستورية العليا- فى المادة 175 منه - بمباشرة الرقابة على دستورية القوانين واللوائح ومن بينها المادتان 44 ، 45 المشار إليهما المشوبتان بقالة مخالفتهما لأحكام المواد 8، 38، 119، 120 من الدستور، وكانت هذه المحكمة تنفرد كذلك – وعلى ما تنص عليه المادة 26 من قانونها- بتفسير نصوص القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية وكذلك القرارات بقوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية وذلك إذا ما أثارت خلافا فى التطبيق. وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها، فقد أقام الدعوى الماثلة .

وحيث إن من المقرر قانونا أن تكييف الدعوى هو مما يدخل فى ولاية المحكمة ، إذ هى التى تعطيها وصفها الحق محددة المقصود بها، كاشفة عن ماهيتها، منقضية فى سبيل ذلك، إرادة المدعى منها مستظهرة حقيقة طلباته ومراميها بلوغا لغاية الأمر منها، وكان البين من الاطلاع على أوراق الدعوى الموضوعية وما توخاه المدعى من طلباته أمام هذه المحكمة أن مارمى إليه المدعى بدعواه الماثلة هو ألا تقوم مصلحة الضرائب بتطبيق نظام الخصم والإضافة المنصوص عليه فى المادتين 44 ، 45 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون برقم 157 لسنة 1981 على شركته باعتبار أنها من شركات الأشخاص الخاضعة لأحكام القانون رقم 43 لسنة 1974 بإصدار نظام استثمار المال العربى والأجنبى ، وكان المدعى قد سعى لبلوغ ما تغياه بدعواه الماثلة من خلال طريقين أحدهما هو الطعن بعدم دستورية المادتين 44، 45 المشار إليهما وثانيهما هو ضمان عدم تطبيقهما على شركته بالارتكان إلى تفسير تشريعى يصدر من هذه المحكمة وفقا للمادة 26 من قانونها يقرر لهاتين المادتين مضمونا يلتئم مع وجهة النظر التى يقول بها، وهو ما يعنى أن هذين الطلبين مطروحان فى الدعوى الماثلة .

وحيث إن المادة 26 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الدستور، وذلك إذا أثارت خلافا فى التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها.

وحيث إن مؤدى هذا النص أنه خول هذه المحكمة سلطة تفسير النصوص التشريعية التى تناولها تفسيرا تشريعيا ملزما يكون بذاته كاشفا عن المقاصد الحقيقية التى توخاها المشرع عند إقرارها ، منظورا فى ذلك لا إلى إرادته المتوهمة أو المفترضة التى تحمل معها النصوص التشريعية محل التفسير على غير المعنى المقصود منها ابتداء، بل إرادته الحقيقية التى يفترض فى هذه النصوص أن تكون معبرة عنها مبلورة لها وإن كان تطبيقها قد باعد بينها وبين هذه الإرادة . ذلك أن الأصل فى النصوص التشريعية ، هو ألا تحمل على غير مقاصدها، وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها، أو بما يؤول إلى الالتواء بها عن سياقها، أو يعتبر تشويها لها سواء بفصلها عن موضوعها أو بمجاوزتها الأغراض المقصودة منها، ذلك أن المعانى التى تدل عليها هذه النصوص ، والتى ينبغى الوقوف عندها، هى تلك التى تعتبر كاشفة عن حقيقة محتواها، مفصحة عما قصده المشرع منها، مبينة عن حقيقة وجهته وغايته من إيرادها، ملقية الضوء على ما عناه منها. ومرد ذلك أن النصوص التشريعية لا تصاغ فى الفراغ، ولا يجوز انتزاعها من واقعها محدداً بمراعاة المصلحة المقصودة منها، وهى بعد مصلحة اجتماعية يتعين أن تدور هذه النصوص فى فلكها، ويفترض دوما أن المشرع رمى إلى بلوغها متخذا من صياغتها للنصوص التشريعية سبيلا إليها ، ومن ثم تكون هذه المصلحة الاجتماعية غاية نهائية لكل نص تشريعى ، وإطارا لتحديد معناه، وموطئا لضمان الوحدة العضوية للنصوص التى ينتظمها العمل التشريعى ، بما يزيل التعارض بين أجزائها، ويكفل اتصال أحكامها وتكاملها فيما بينها، لتغدو جميعها من صرفة إلى الوجهة عينها التى ابتغاها المشرع من وراء تقريرها.

وحيث إن السلطة المخولة لهذه المحكمة فى مجال التفسير التشريعى - وعلى مايبين من نص المادة 26 من قانونها- مشروطة بأن يكون للنص التشريعى أهمية جوهرية – لا ثانوية أو عرضية – تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التى ينظمها ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا النص – فوق أهميته- قد أثار عند تطبيقه خلافا حول مضمونه تتباين معه الآثار القانونية التى يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه بما يخل عملا بعمومية القاعدة القانونية الصادرة فى شأنهم ، والمتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، ويهدر بالتالى ما تقتضيه المساواة بينهم فى مجال تطبيقها الأمر الذى يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء ما قصده المشرع منها عند إقرارها، وذلك حسما لمدلولها، ولضمان أن يكون تطيبقها متكافئا فيما بين المخاطبين بها.

وحيث إنه بالنظر إلى أهمية التفسير التشريعى ودفنه ، وبمراعاة الآثار التى يرتبها حدد المشرع الجهات التى خولها حق طلبه، وجعل هذا الحق مقصورا عليها لا يمتد لسواها كى تزن دواعيه وتقدر مبرراته وفق مقاييس موضوعية موضوعية لاتنحاز لوجهة دون أخرى ، وإنما غايتها إرساء المصلحة العامة التى يقتضيها استقرار دلالة النصوص التشريعية التى تناولها التفسير بما يوحد تطبيقها، وينقطع به كل جدل فى شأن مضمونها. وانطلاقا من هذا المفهوم، و اوضح قانون المحكمة الدستورية العليا فى المادة 33 منه عن أن طلب التفسير التشريعى لا يقدم إلا من وزير العدل بناء على طلب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية ، على أن يتضمن هذا الطلب بيانا بالنص التشريعى المطلوب تفسيره، وبما أثاره من خلاف فى التطبيق، ومدى أهميته التى تستدعى تفسيره ضمانا لوحدة تطبيقه. وبذلك يكون المشرع قد مايز بين التفسيرين التشريعى والقضائى فى شأن الجهة التى تتقدم بطلبه، ذلك أنه بينما لا يقدم التفسير التشريعى إلا من وزير العدل بناء على طلب إحدى الجهات المنصوص عليها فى المادة 33 من قانون هذه المحكمة ، فإنه فى مجال التفسير القضائى يجوز لكل ذى شأن – وعملا بالمادة 192 من قانون المرافعات التى يعتبر مضمونها مندمجا فى قانون هذه المحكمة على تقدير أن تطبيقها على الأحكام التى تصدرها لا يتعارض مع طبيعة اختصاصاتها أو الأوضاع المقررة أمامها - أن يتقدم مباشرة إلى هذه المحكمة بدعواه المتعلقة بتفسير قضائها وقوفا على حقيقة قصدها منه، واستنهاضاً لولايتها فى مجال تجلية معناه- دون تعديل فى مضمونه- إذا كان الغموض أو الابهام- سواء فى منصوقه أو فى أسبابه المرتبطة بمنطوقه ارتباطا لايقبل التجزئة - قد اعتراه حقا فاصبح خافياً.

وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكان المشرع قد قصر الحق فى تقديم طلب التفسير التشريعى على الجهات التى حددتها المادة 33 المشار إليها، وذلك عن طريق وزير العدل، وكان طلب التفسير التشريعى الماثل قد قدم من المدعى مباشرة إلى هذه المحكمة ، فإنه لايكون قد اتصل بها وفقا للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها ، وغدا غير مقبول بالتالى .

وحيث إنه فيما يتعلق بالطعن بعدم دستورية المادتين 44 ، 45 من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981 ، فإنه لما كان المشرع قد رسم طريقاً لرفع الدعوى الدستورية التى أتاح للخصوم مباشرتها، فحتم ألا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذى ناط المشرع بمحكمة الموضوع أمر تحديده بحيث لايجاوز ميعاد ثلاثة الأشهر الذى فرضه المشرع على نحو آمر كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية ، وكان الأصل أن هذه الأوضاع الإجرائية من الأشكال الجوهرية فى التقاضى لتعلقها بمصلحة عليا غايتها أن ينتظم التداعى فى المسائل الدستورية وفقا لقانون المحكمة وطبقا للأوضاع المنصوص عليها فيه، وكان البين من الاطلاع على الصورة الرسمية لمحضر جلسة 10 فبراير سنة 1992 الخاص بالدعوى الموضوعية رقم 1524 لسنة 1985 المشار إليها، أن هذه الصورة قاطعة فى أن المدعى طلب أجلا للطعن بعدم الدستورية ، فأجابته محكمة الموضوع إلى طلبه، وكان من المقرر أن الدفع بعدم الدستورية لا يستنهض ولاية محكمة الموضوع لتقدير جديته إلا إذا ورد على نص أو نصوص بذاتها عينها المدعى وحددها باعتبارها نطاقا لدفعه ، متضمنا تحديد أبعاده ، كى تجيل محكمة الموضوع بصرها فى النصوص المطعون عليها لتقدر جدية المطاعن الموجهة إليها من وجهة نظر أولية لا تسير أغوارها ، ولا تعتبر منبئة عن كلمة فاصلة فى شأن اتفاقها مع أحكام الدستور أو خروجها عليها، متى كان ذلك وكان التجهيل بالنصوص التشريعية المطعون عليها – وهو ما سلكه فى دفعه أمام محكمة الموضوع- لا يتضمن تعريفا بها يكون محددا بذاته لما هيتها، وكاشفا عن حقيقة محتواها، وكان هذا التحديد لازما لزوما حتميا لتقدير جديتها، فإن خلو الدفع بعدم الدستورية من بيانها، ثم التصريح للمدعى برفع الدعوى الدستورية ترتيبا عليه ، مؤداه أن هذا التصريح قد ورد على غير محل ، إذ يتعين دائما لاتصال هذه الدعوى بالمحكمة الدستورية العليا عن طريق الدفع الفرعى ، ألا يكون هذا الدفع مبهما وأن يكون تقدير محكمة الموضوع لجديته تاليا لبيان مضمونه ، وهو ما قام الدليل على نقيضه. متى كان ماتقدم، فإن الدعوى الدستورية لا تكون قد اتصلت بالمحكمة وفقا للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها، ويتعين بالتالى الحكم بعدم قبولها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى بالمصروفات، ومائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة .